حقيقة الإنسَانية
للإما م المجدد الشيخ عبد الهادي الخرسة الدمشقي
الإنسانية صفة ذاتية للإنسان، بها سُمِّي إنساناً وإليها ينسب، وهي
تعني اتصافه بصفاتٍ كاملة بعضها جِبلّي خَلقي وبعضها كسبي خُلُقي،
بها يتميز عن غيره من الخلائق الأرضية وما هي عليه من أخلاق
سيئة تتناقض مع صفة الإنسانية التي اختصه الله سبحانه وتعالى بها
وإنّ الشرائع السماوية التي بعث الله بها أنبياءه عليهم الصلاة
والسلام والذين كانوا هم المثل العليا للإنسانية عبر الأزمنة وكل
واحد منهم يسمى الإنسان الكامل وهذه الشرائع هي الكفيلة وحدها
بالمحافظة على صفات الإنسانية في الإنسان وتكميل ما نقص فيه
منها، وتخليصه وتنقيته مما علق به من صفاتِ النقص البهيمية،
فكلما ازداد الإنسان تفقهاً في الشريعة الإلهية وتخلقاً بأخلاق النبيين
كلما اقترب من درجات الكمال الإنساني، وكلما ابتعد عن التفقه
والتخلق ابتعد عن درجات الكمال وازداد نقصاناً على نقصانه الذي
ينعكس عليه وعلى كل شيء حوله بالعذاب النفسي والحسي المؤدّي إلى الهلاك والدمار .
إنّ من أشدِّ الناس إجراماً رجل تآمر على الإنسانية فعمل على إماتتها
وما فيها من قيم وأخلاق فيه وفيمن حوله من النّاس، وذلك يعني
إفساد الفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها سواء كان هذا
الإفساد بالطرق والوسائل المادية أو الفكرية المبنية على الدَّجَل
العلمي الذي يظهر الحق بمظهر الباطل والباطل بمظهر الحق .
إِنَّ أقواماً من أعداء الإنسانية وأعداء الحياة كالصهاينة مثلاً يتآمرون
على الفطرة السليمة حتى عند الطفل البريء فيجعلون فيه الأحقاد
التي تسوِّد له الحياة وما عليها في نظرهِ فينقم على كل شيء ويصبح عدواً لكل شيء حتى الحجر والشجر .
وإنَّ بعض أصحاب المبادئ حتى الدينية المتطرفة منها يُفسدون
الفِطر السليمة بمبادئهم ويجعلون أتباعهم يعتقدون أحقية ما هم عليه
وكفر وضلال المخالفين ويحمِّلونهم الأحقاد ويهيئونهم للجريمة إذا تهيأت ظروفها .
إنّ الانحراف العقائدي والفكري والأخلاقي جعل الإنسان عدواً
للإنسانية لا يعرفها ولا يحب التعرف إليها ولا تذوقها في نفسه أو
غيره وإذا وجدها في غَيره يعمل على قتلها ووأدها في مهدها حتى لا تفسد عليه طغيانه .
ليس مستغرباً على فرعون وأمثاله المتجردين عن الإنسانية أن يقول
أحدهم عن نبي الله ورسوله سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام :
( إني أخافُ أن يبدِّل دينكُم أو أن يُظهر فِي الأرضِ الفسَاد) وكذلك قول الفراعنة والجبابرة في أتباع المرسلين .
لقد بحثت عن الإنسانية في المناهج والمبادئ وعند أصحاب المذاهب الفكرية وغيرهم فلم أجدها، بحثت عنها عند كثير من المتدينين أتباع الشرائع السماوية بل عند الكثير من طلبة العلم والخطباء والدعاة فلم أجدها بحقيقتها وأخلاقها بل وجدت كلاماً مزَّوقاً ومبهرجاً يدعو إليها من غير تحقق وتخلق بها وما تغني الدعوة إلى الشيء مع تجرد داعيه عنه، لقد وجدت أثرة لا إيثاراً، وأنانية وعُجباً ورياءً ونفاقاً .
أيقنت بعد البحث أن الإنسانية لا توجد(بكمالها) إلا عند رسول الله وإخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.
إنّ المجتمعات اليوم تبحث عن المثل الكامل للإنسان الكامل الذي توجد فيه إنسانية الأنبياء وأخلاقها وقيمها وفضائلها وترى فيه المنقذ لها من ضلالها وتيهها والذي هو اليوم أشد من تيه بني إسرائيل والذين عاقبهم الله تعالى به لتمردهم على أوامره ومخالفتهم لأنبيائه ورسله .
عودوا أيها الناس إلى منابع الإنسانية الصحيحة في تشريعات الأنبياء واتركوا المزيف عند غيرهم وكونوا أطباء نفوسكم ومجتمعاتكم وأكملوا ما نقص فيكم من صفات الإنسانية،
ولا تكونوا حاقدين ولا متآمرين، وتطهّروا من أدناس المادة وقاذورات الشهوات ولتعيشوا الحياة لكم ولمن في عالمكم بالفضائل وللفضائل ولتحبوا للغير مثلما تحبون لأنفسكم ولتلتحقوا بالملأ الأعلى من عباد الله الطاهرين المطهّرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .